ويسألونك عن عودة الجماهير للملاعب!

 

لا يسأم الإعلام الرياضي في مصر من ترديد السؤال نفسه: متى تعود الجماهير لملاعب الكرة؟

والسؤال على قدر ما يحمل من براءة وسذاجة تفتقر لأبسط قواعد الفهم لطبيعة المرحلة التي تعيشها مصر منذ انقلاب 30 من يونيو/حزيران وحتى الآن، إلا أن الأمر لا يمنع من الإجابة على السؤال وتوضيح الواضح..

بداية لابد من نقطة اتفاق، وهي أن الأمر لو كان بيد السلطة الحاكمة لمصر حاليا لقررت وقف النشاط الرياضي بأكمله وليس فقط منع الجماهير من حضور المباريات، فالرياضة عامة وكرة القدم خاصة هي النشاط الوحيد في مصر حاليا الذي يتجمع الجمهور حوله، والسلطة الحالية نجحت على مدار ست السنوات الماضية في القضاء على كل وأي نشاط يمكن أن يجمع حوله الجماهير، حتى وإن كان هذا النشاط أغنية شعبية لمطرب مجهول، لكن قرار إقامة النشاط الرياضي واستمراره أكبر من سلطة النظام الحاكم، وهذه قصة أخرى يطول شرحها.

ما يقلق النظام

والمتابع لما يحدث في مصر منذ انقلاب 2013 وحتى هذه اللحظة، يستطيع أن يكتشف من دون حاجة لمجهود عقلي أن أكثر ما يقلق النظام الحالي هو التجمهر حتى وإن كان هذا التجمهر حول مباراة كرة بدوري محلي لا تتخطى قيمته وشهرته حدود المعمورة، هو يخشى أن يتحول هذا التجمهر إلى مظاهرة، والمظاهرة تقود لمظاهرات، والمظاهرات تتحول إلى ثورة، والثورة تطيح به وتحاكمه، لذا فهو حريص على أن يكون الإغلاق من المنبع، مطبقا للمثل المصري “الباب اللي يجيلك منه الريح، سده وأستريح”..

والذي يسأل عن عودة الجماهير للملاعب في ظل وجود النظام الحالي، هو كمن ينفخ في قربة مقطوعة، لأن الجماهير لن تعود للملاعب، ولا النظام سيسمح بذلك، والذي يأمل في غير ذلك فهو جاهل بطبيعة المرحلة وغير قارئ لأفكار القائمين عليها، والذي يرى أن هذا رأي ينافي الصواب بدليل الحضور الجماهيري الكبير الذي شهدته بطولة كأس الأمم الأفريقية التي نظمتها مصر مؤخرا، أقول له إن الجماهير التي حضرت المباريات كانت جماهير موجهة، اختارتها الأجهزة الأمنية على عينها، وهو أمر شهد به كل من تابع المباريات، حين رأى بعينيه كيف أن هذا الجمهور الذي حضر المباريات لا علاقة له من قريب أو بعيد بجمهور كرة القدم الحقيقي الذي تخشاه السلطة، وأكبر دليل على ذلك هو أن هذه الجموع التي كنا نراها كانت تظهر في المباريات التي يكون المنتخب المصري طرفا فيها، أما في بقية المباريات فالملاعب خاوية على عروشها ليس بها صريخ ابن يومين، ولو أن الجهات الأمنية لم تتدخل في الأمر وتركت الجماهير على حريتها تحضر المباريات التي تريدها، لكنا رأينا الملاعب امتلأت بالمشجعين، بيد أن الأمن فرض قيودا شديدة على شراء الجماهير للتذاكر، فكان المشجع يدخل على الموقع الخاص ببيع التذاكر لحجز مقعد في مباراة بين فريقين ليس من بينهما المنتخب المصري، فيجد أن التذاكر نفدت، وعندما يشاهد المباراة من التلفاز يكتشف أن المدرجات خالية تماما من المشجعين!

أسوأ الفترات

ويدهشني منطق المتسائلين عن عودة الجماهير للملاعب، فهم يتمنون عودتها بداعي أن حضور الجماهير للمباريات سيسهم في زيادة نجاح المسابقات المحلية، فهم يرددون السؤال وكأن المسابقات الكروية في مصر ناجحة أصلا ولا ينقصها سوى الحضور الجماهيري، بينما الواقع يقول إن المسابقات الكروية في مصر تمر بأسوأ فتراتها التاريخية، بل إن مستوى الدوري المصري تراجع بشكل عنيف في السنوات الست الماضية وسار خلف معظم الدوريات العربية التي كان يسبقها جميعا، وليس الموسم الأخير ببعيد، فهذا الموسم الذي انتهى الشهر قبل الماضي في الثامن والعشرين من يوليو، شهد رقما قياسيا من حيث طول فترة إقامته، فقد تخطى السنة بأيام عدة في حين أن أطول دوريات العالم لا تستمر أكثر من عشرة أشهر، ليس هذا فحسب بل إن بطولة الكأس التي كان من المفترض أن تنتهي قبل نهاية الدوري لم تقم مباراتها النهائية إلا منذ أيام قليلة، في حين كان المقرر لها أن تنتهي في مايو/أيار الماضي، ثم والأهم من ذلك هو عجز القائمين على إدارة شؤون اللعبة حتى وقتنا الحالي عن إقامة مباراة السوبر المحلي للموسم قبل الماضي، ليضاف إليها مباراة أخرى جديدة هي مباراة السوبر للموسم الماضي!

كل هذا ويسألونك: متى تعود الجماهير للملاعب؟

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه