مصر في مرحلة “الجوكر”

 

حراك وهجمة أمنية شديدة علي الطرق السريعة في أنحاء مصر يشهدها المسافرون بين المحافظات المصرية، ويشعر بها أهل المدن متمثلة في كثرة الكمائن الأمنية والمنتشرة بشكل مكثف، علاوة علي المداهمات المفاجئة للمقاهي العامة والكافيهات وإلقاء القبض علي كل ملتحٍ في سابقة لم تحدث في السنوات الأخيرة على الأقل منذ انحياز حزب النور السلفي للانقلاب ودعمه الكبير له قبل وقوعه، وتكثفت كذلك عملية الاستدعاءات التي يقوم بها لكوادر جماعة الإخوان المسلمين بشكل دوري ، لقضاء بضعة أيام في كل مرة قيد التحقيق دون أمر اعتقال أو القيد على ذمة أي قضية، مجرد عملية احتجاز للفرد لعدة ساعات قد تمتد ليوم أو يومين، ومنذ عدة أيام تضاعفت تلك الممارسات، ليتضاعف كذلك عدد أيام المكوث في زنزانة لا تكفي الآحاد ، بينما يبيت فيها العشرات .

 تزامنت تلك الهجمة الأمنية الجديدة علي كوادر الجماعة مع الدعوة التي أطلقها الجوكر المصري بإنشاء فرق سباعية لصنع حالة حراك ثوري جديدة ، وقد شهر الكثيرون حراكا غير عادي بمناطق وسط البلد والمدن الكبري لا يعلم أحد كنهها أو تبعيتها أو كيفية  تواصلها إن كان ثمة تواصل،  أو ماهية المهمة المكلفة بها ، غير أن الزحام الشديد بتلك المناطق ، أدى لعرقلة حركة المرور فيها وتوقف الحركة تماما لأكثر من ساعتين بتوقيت متزامن مع إعلان الجوكر أن هناك مهمات نفذت بالفعل في المترو والشوارع الرئيسية ألقي في روع المتابعين أن الأمر يتسع تأثيره ، وأن الكثير من الشباب المتعطش للحرية والمفتقر للقيادة قد انضم لتلك الحركة الوليدة ، ويبدو أن الأجهزة الأمنية قد رصدت ذلك الحراك بالرغم من صعوبة الوصول لأي من أي تلك السباعيات فاضطرت في ضربة استباقية احترازية أن تضيق الخناق أكثر على الكوادر المتاحة والمتبقية من جماعة الإخوان المسلمين .

المشهد المصري بين الأمس واليوم

والمشهد المصري الذي كان ذاخرا بالحراك في الشارع قبيل وقوع الانقلاب بأيام وتحديدا في الثامن والعشرين من يونيو 2013 واستمر حتى عام 2015 ليتوقف فجأة ، قد شهد عدة تحركات فردية منها ما كان قويا كالذي حدث بعد تنازل قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير ، وكذلك كالذي حدث بعد ظهور الفنان والمقاول ” محمد علي ” الذي نجح في تحريك الشارع بعد فترة توقف طويلة ، كسر فيها الشعب حواجز عدة ونزلت الجماهير دون راية محددة أو هوية معروفة ، نزل شباب ربما كانوا أطفالا وقت وقوع الانقلاب ليعلنوا أن أبناء مصر يرفضون استمرار هذا الانقلابي في الحكم ، ويعلنوا كذلك أن وجود قيادة محركة للشارع صار أمرا ضروريا في الفترة الحالية لجمع الشارع حولها ، ظهر ” محمد علي” ليبعث الأمل في الثورة من جديد ، وليثير الكثير من التساؤلات مثل : من وراء محمد علي ؟ من يدعمه؟ من يحميه؟ من يدفعه لإرسال تلك الرسائل القوية ضد النظام؟ ومن يعطيه كل تلك الثقة، كذلك يضاف لجهود محمد علي فضح فساد الهيئة الهندسية خاصة والنظام عامة، وما قدمه بإمكانات بدائية لعرض القصور الرئاسية التي بنيت بدماء الشعب وعلى حساب متطلباته الأساسية، كل هذا في غيبة من التنظيمات والأحزاب التي تدعي المعارضة، وبغير تمويل يذكر ليفتح باب الإبداع الشعبي في توجيه ضربات لا يستطيع أحد أن ينكر أنها أزعجت النظام، بل أرعبته

ظهرت بعد ذلك عدة محاولات فردية لصنع حالة من الرفض لأشخاص هم في حقيقتهم مؤيدون للانقلاب، وما زالوا مؤيدين وداعمين للثلاثين من يونيو ولم يتوانوا عن الدفاع عنها، وبالرغم من ذلك ولمطالبتهم ببعض الإصلاحات فتم اعتقالهم أمثال الدكتور حسن نافعة وغيره من الليبراليين الداعمين للنظام لمجرد ابداء بعض منهم  الاعتراض علي الأداء الممعن في الفشل ، وأمثال جبهة الأمل التي تم اعتقال كافة أعضائها، وتحويل النائب أحمد الطنطاوي للجنة القيم ورفع الحصانة عنه لحين الانتهاء من التحقيق معه في مبادرة تقدم بها لمجلس الشعب بنودها معلنة، صنعت حالة من الحراك الفكري في صفوف معارضي الانقلاب بين القبول المشروط والحذر والرفض المطلق،  ليعود الأمر للشارع مرة أخرى مع الدعوة لسباعيات الفنان عطوة كنانة التي دفعت الجهاز الأمني لحالة من الجنون ليعود من جديد للبطش والتنكيل والتربص بالخصوم

أين الاخوان السلمون من المشهد الحالي

بينما الشعب ينتظر القيادة الراشدة التي سوف تأخذ بيده نحو الهدف الأكبر عن طريق سلمي أو سلمي مبدع ، وبينما يحاول البعض بشكل منفرد أن يقدم أفكار إبداعية لمواجهة الانقلاب وتحريك الماء الراكد ، نجد أنه ومنذ أربع سنوات تحديدا قد توقف الفعل ورد الفعل بشكل قاطع من جماعة الإخوان المسلمين التي ما زال يدفع كوادرها من الشباب والشيوخ وحتي النساء والفتيات الثمن الأكبر في المعتقلات والشتات والمطاردات ، ثمن السكوت ، وثمن عدم وجود تخطيط مسبق والاكتفاء بانتظار أن تمطر السماء نصرا ، وأن يأكل الانقلاب نفسه ، أو أن تتضافر جهود العالم الخارجي لإسقاطه ، والحقيقة أنه لا يملك أحد أن ينكر الجهود الضخمة التي بذلها أفراد الصف الإخواني في سبيل الحفاظ علي الزخم الثوري في الشارع دون انطفاء حتى عام 2015 ، فرغم تناقص الأعداد التي كانت تحافظ على نزول الشارع تدريجيا،  إلا أن التعامل الأمني مع المعتقلين وغيرهم كان أقل شراسة مما أصبح عليه بعد وقف الحراك ، ومنذ ذلك الحين والنظام يتغولعلى الجماعة ، ليتضاعف عدد المعتقلين ، وتزداد وتيرة أحكام الإعدام والمؤبد لتطال النساء ، وتنفذ الأحكام بالفعل ، ويتجرأ النظام ويقدم على قتل الرئيس الصامد بالإهمال أو بالتعمد مع اطمئنانه لعدم اتخاذ الجماعة أي رد فعل  غاضب ، وتتوالي الاغتيالات ، ويصبح الشهداء أرقاما في ساحات المحاكم وأروقة النيابة بحثا عن المختفين قسريا ، ومشرحة زينهم للتعرف على الجثامين ، ويستمر رد الفعل الصامت العجيب حتى اليوم ، ولا يظهر صوت إلا حين يظهر صوت آخر بمبادرة أو بفكرة للتقليل من شأنها ، واتهام صاحبها ، وكأن هناك لجان الكترونية صنعت خصيصا لتقوم بعملية إرهاب فكري لمن يحاول البحث عن مخرج خارج إطار التنظيم

فالجماعة اليوم إذن غائبة إلا من معتقليها، وقياداتها بالسجون، ومرشدها الذي كان على حافة الموت منذ أيام قلائل، وكوادرها الواقعة بين مطرقة النظام، وسندان السمع والطاعة بالبعد عن أي حراك محتمل. لن ندعي أنها قد آثرت السلامة، لأنه لا أحد سالم في ظل انقلاب استحل الجميع الصامت وغير الصامت، كل من له هوية، وكل صاحب رأي، وكل من له تاريخ رافض للظلم، الجميع مستباح ولا أحد بعيد  عن الوقوع في القبضة الأمنية الخشنة، فهو إذن ليس إيثارا للسلامة، وإنما انتظار  لما لا نعرفه، وحتى الآن لا يوجد تبرير  كافٍ لذلك الموقف غير المبرر.

هل ينتظر الشعب كثيرا؟

هل يصنع القائد الحراك؟ أم يفرز الحراك قائده على أرض المعركة؟ قد يكون كليهما صحيحا ، فحين يوجد القائد الواعي المحنك ، الحكيم ، المطلع على الواقع ، الذكي ، المرن ، المخلص ، فسوف يكسب ثقة الجماهير ، فتتبعه ، وتنتظر توجيهاته ، وتنفذ مطمئنة إلي أنها في أيد أمينة سواء كان هذا القائد من داخل البلاد أو خارجها ، ولا ننسي الخوميني في طهران ، رجل استطاع أن يقود ثورة ، ويلهب حماسة الجماهير من خارج الوطن في ثورة مبدعة ضد نظام كان أكثر شراسة من نظام السيسي الهش الذي وظف جنوده في بيع الخضراوات بشوارع المدن والقري ، حتى عاد الرجل محمولا علي الأعناق على متن الطيران الفرنسي ، فإن لم يتواجد ذلك القائد المحرك ، فإن الشعوب لا تنتظر ، وحين يشتعل الغضب على أرض مشبعة بالبنزين تنتظر من يشعل الثقاب ، فلن يستطيع أحد في هذه الحالة توجيه الشعب والجماهير الغاضبة نحو وجهة معينة ، وسوف تدوس تلك الجماهير بغضبها الجميع ، وستنزع ثقتها كذلك من الجميع ، إلا من يقف بينها ، يشاركها الأرض التي تقف عليها ، لترفعه لمرتبة القائد إن هي ارتضته كذلك وإن هي وجدت فيه ما يؤهله لذلك ، إن الثورة لا تنتظر أحد ا، بل إن قطار الثورة يتحرك ولن يحمل إلا من يقف هو في انتظاره لا العكس ، وقد فاجأ الشعب المصري الجميع حين انتفض معظمه ضد مبارك الأب والابن حتى اضطر جهاز الشرطة للانسحاب والهروب أمام غضبته رغم كل الأقاويل التي تحاك للتقليل من شأن ثورة الخامس والعشرين من يناير.

 إن تاريخ النضال لن يشفع لأحد انسحب من المشهد في ساعة الجد، وسيصنع الشارع قيادته، ولن تستطيع جهة وقتها أن تفرض رأيا على أحد، فالآن الآن، قبل فوات الأوان.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه